على خلاف الأرقام المالية التي لا تستند إلى معايير يُركَن إليها، ينطوي مشروع الميزانية السعودية لعام 2022، على مضامين سياسية لا يمكن – في أحسن الأحوال – إلّا إدراجها في سياق الدعاية المستمرّة لوليّ العهد، محمد بن سلمان.
إذ هناك نقطتان أساسيتان في الميزانية السعودية 2022 : الأولى العودة إلى الفوائض بدل العجوزات التي سُجّلت خلال السنوات الماضية، وهو الشرط اللازم للمُضيّ في «رؤية 2030»؛ والثانية تخفيض الإنفاق العسكري، بما يوحي، دعائياً كذلك، باقتراب الانفكاك من ورطة عدوان محور رياض – أبوظبي على اليمن.
ويُشبه احتفال وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، بإقرار مشروع ميزانية 2022، التي تَفترض تحقيق فائض، للمرّة الأولى منذ عام 2014، الاحتفال ببدء السباق، لا الفوز فيه. وهذا غير واقعي بالتعريف، في بلدٍ يعتمد في النسبة الأعظم من عائداته على النفط، خاصة في زمن تشهد فيه أسعار هذه السلعة تذبذباً واسعاً أوصلها إلى ناقص 37 دولاراً في ذروة أزمة وباء «كورونا»، مطلع عام 2020، ثمّ رفَعها إلى عتبة 85 دولاراً للبرميل في الرُّبع الأخير من عام 2021. لكن ذلك ليس جديداً على ابن سلمان، الذي احتفل بالفوز في حرب اليمن عند بدايتها، ثمّ خسرها، ثمّ ما انفكّ يحتفل بـ«إنجازات رؤية 2030»، في الوقت الذي تتعثّر فيه مشاريعها، ولا يَظهر منها شيء على الأرض، نظراً بالذات إلى العجوزات الكبيرة التي حقّقتها السعودية في السنوات الثماني الماضية، والبالغة 400 مليار دولار، الأمر الذي اضطرّها إلى السحْب من «صندوق الاستثمارات العامّة»، الذي كان يُفترض أن يموّل الجزء الأكبر من مشاريع الرؤية، ثمّ إلى الاستدانة من الأسواق العالمية.
ففي مرّة جديدة، لا تتناسب الأجواء الاحتفالية بالميزانية المفترضة، مع الوقائع القائمة التي تبدو أكثر سوداوية بكثير مما قُدّمت عليه، على رغم الارتفاع الأخير في أسعار النفط، والذي يمثّل السبب الحقيقي للاحتفال. فتَحْت عنوان «فصل الإنفاق عن العائدات»، بمعنى تقليص النفقات حتى لو شهدت العائدات زيادة كبيرة مع ارتفاع أسعار النفط، كما هي الحال راهناً، تتوقّع الميزانية الجديدة تحقيق فائض بقيمة 24 مليار دولار في عام 2022، ارتكازاً إلى إنفاق يُقدَّر بـ254.6 مليار دولار، وهو أقلّ بنحو 6% من الإنفاق الذي توقّعته ميزانية 2021، مقابل عائدات تُخمَّن بـ278.6 مليار دولار، مقارنةً بعائدات قُدّرت بـ226.3 مليار دولار في ميزانية عام 2021. وعليه لن تنعكس ارتفاعات أسعار النفط على المواطن السعودي، الذي لن يلمس أيّ تحسُّن في مدخوله، ولا أيّ تخفيف عليه في إنفاقه. فضريبة القيمة المضافة باقية عند 15%، فيما أسعار مشتقّات الوقود في التسعير الشهري الذي تُصدره شركة «أرامكو» للسوق المحلية، تبقى على حالها أو ترتفع، حيث يبلغ سعر صفيحة البنزين حالياً نحو 12.75 دولاراً، والأمر نفسه ينطبق على التكاليف الأخرى للطاقة، مثل الكهرباء. في المبدأ، ليس صحّياً للاقتصاد ولا لمفهوم المواطنة نفسه، عدم فرْض ضرائب نهائياً، كما هي الحال في عدد من دول الخليج(الفارسي)، لكنّ الضريبة على القيمة المضافة، خاصة إذا كانت مرتفعة، تضحي بمثابة عملية «تشليح»، تصيب الفقراء بمثل ما تصيب الأغنياء، والعاطلين عن العمل بمثل الموظفين، بينما الأجدى اقتصادياً، بالنسبة إلى السعودية، فرْض ضريبة هادفة كضريبة الدخل المرتبطة بمستوى المدخول، وهو ما يؤْثر ابن سلمان تَجنُّبه إلى الآن، كونه يريد استمالة الموظفين إليه.